خمسة سمان

خمسة سمان

محمد اليامي (*)

كتاب «عالم صوفي» لجوستاين جاردر، هو رواية تتمحور حول أستاذ خفي يعلم فتاة اسمها صوفي، تاريخ الفلسفة بشكل مبسط.

في أحد الدروس يتطرق لمدرسة “أبيقور” الفلسفية التي أسسها في أثينا في القرن الثالث قبل الميلاد، وأبيقور يركز على أن إشباع رغبة يجب ألا ينسينا التأثيرات الجانبية التي يمكن أن تنتج عنه، ثم يعطي المؤلف الفتاة صوفي التمرين التالي:

“خذي كل النقود التي اقتصدتها، واشتري بها شوكولاتة، ثم كلي كل ما اشتريته. ولن تمضي نصف ساعة إلا وأنت تعانين مما يسميه أبيقور (العوارض الجانبية)”، ثم يضيف “تخيلي أنك تحرمين نفسك من الشوكولاتة عاما كاملا لتقتصدي نقودك لشراء دراجة جديدة أو القيام برحلة إلى الخارج”.

في رأي أبيقور “يجب على الإنسان أن يقيم موازنة بين إشباع رغبة آنية، وإمكانية تحقيق رغبة أكثر ديمومة، أو أكثر كثافة على المدى البعيد”.

بهذه الفكرة نفسها انظر إلى “الرؤية السعودية” من الناحية الاقتصادية، لقد تعلمنا كيفية التعاطي الواقعي مع ما نملك، وحاولنا ونجحنا إلى حد مطمئن أن نعيد صياغة التعامل مع ما نملك حاليا، ليس باستهلاكه ثم البحث عن مزيد منه، لكن باستثماره أو ادخاره، أو حتى محاولة الحصول على أشياء أخرى كنا قد أهملنا العمل من أجلها أو أجلناه، أو أننا أدمنا الأسهل والأسرع.

في هذه الأيام أشاع السعوديون أجواء احتفاء مستحق بالمنجز الملموس في خمسة أعوام منذ انطلاق “الرؤية السعودية” على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، راجعوا ما أنجزوا، وتناقشوا فيما يجب أن يستمروا في إنجازه، وذلك الذي ينبغي البدء به.

راجعوا فواتيرهم الاجتماعية والثقافية والإنسانية، ووجدوا أنهم في الغالب الأعم رابحون كثيرا من التقدم الحضاري والإنساني، وجزءا غير يسير من جودة الحياة التي وعدتهم الرؤية بها، والأهم هو وضع الأسس لمسيرة طويلة مرحلتها الأولى تنتهي في 2030 لكن مراحلها كثيرة.

لا يمكن الكسب من غير ألم، من غير تعب، ومن غير تضحيات، لكن الكاسب الأفضل هو من يجعل الآلام في أقل مستوياتها، والنتائج تستحق التعب من أجلها، ومن يجعل من كل تضحية تحميلا لمزيد من المسؤولية واستشعارا أعمق بالأمانة.

ما تحقق في خمسة أعوام مبهج ومهم، وما سيتحقق في الأعوام الخمسة المقبلة سيعتمد – بعد الله – على الاستفادة من الدروس، وتعظيم الفوائد، وتقليص السلبيات والمعوقات للوصول إلى القمة المقبلة محققين مكاسب أكثر تؤسس لمستقبل دولة وشعب يرومون المراكز المتقدمة بين الأمم.

(*) كاتب اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *