العليمة والحكيم

العليمة والحكيم

محمد اليامي (*)

في كتاب قديم للطرائف وجدت الطرفة التالية، “غمغمت زوجة لزوجها في دلال، ألست ترى عيني مثل النجوم؟ قال نعم، وأن أسناني مثل حبات اللؤلؤ؟ قال نعم، وأن شعري الذهبي كحقول الحنطة في شهر تموز؟ قال نعم، فقالت أواه يا حبيبي، ما أجمل العبارات التي تقولها لي”!

ذكرتني الطرفة بحالات الاستقطاب المستميتة في وسائل التواصل الاجتماعي، بالذات عندما يمتدح أحدهم نفسه أو موقفه أو فكرته أمام المتابعين وهم يردون بالإيجاب والقبول وينتهي الحوار أو سلسلة التعليقات بأن يجعل ما قاله عن نفسه يبدو كأنه قيل من قبل الآخرين.

الزوجة أعلاه عملت بإيجابية وقوّلت شريكها خيرا يسبب الألفة بينهما، وما قالته لا يخرج من إطاره الخاص ليؤثر في حياة الآخرين، بل إنه قد يحسن حياتهما، وإذا كانت المواصفات صحيحة فقد لفتت انتباهه إلى ما بين يديه، وإذا لم تكن كذلك فقد تعلم الدبلوماسية التي تحتاج إليها معيشتهما معا.

في الحالات العامة على الملأ وضمن منظومة التواصل تؤثر بعض المقولات التي يتم تدويرها في تفكير الناس الجمعي عن الشخص أو المسألة التي يطرحها حتى لتجد من بين المتابعين والمعلقين من يضحي بآرائه وأفكاره الخاصة لمصلحة النمط المتشكل، وذلك خشية أن يخرج من الدائرة المرسومة لمجموعة ما.

الزوجة تروم حماية مملكتها أو محيطها من المنافسة، وهي لم تذهب إلى الفضاء العام أو الأكبر من دائرتها الصغيرة لتخبر بقية النسوة أنها أفضل وأجمل منهن، أو تشيع عن زوجها ما يجعل الأخريات يزهدن به، أما من أقصدهم في وسائل التواصل فهم يمارسون خطابا عاما فيه كثير من الخواء المعرفي والأخلاقي فقط لتحقيق الاستقطاب، الاستقطاب الذي يحقق لهم فكرة “الكثرة تغلب الشجاعة” لأنهم يظنون أنه كلما كثر “رهطه” زادت فرص إقصاء الآخرين.

في الخطاب الإعلامي هناك دوما مبادئ ومواثيق وأخلاقيات، وهناك احترام لعقول الناس وتنوع أطياف المجتمع، لكن في بعض الخطاب الرقمي تنعدم أو يتم إعدام تلك الأخلاقيات وذلك الاحترام في سبيل “الشهرة” أو الاستقطاب، ونجد هناك أحيانا أصواتا تجترئ على كثير من القيم، والنتيجة أننا لا نحصل على نقاشات مفيدة غايتها الوصول إلى الحقيقة أو الحل – إن وجد أحدهما أو كلاهما – بل نحصل على كثيرين ممن يقولون “نعم” أو “لا” على شيء لا يفقهوه.

الزوجة أعلاه كانت “عليمة” والزوج كان “حكيما” وكثير من حوارات التواصل الاجتماعي تفتقد هاتين الصفتين.

(*) كاتب سعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *